فصل: مسألة الأجنبيين إذا حازوا من مال غائب أو حاضر أجنبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه:

ومن كتاب الأقضية:
وسألته عن الرجل يموت عن منزل ويترك ورثة غيبا في بلد غير بلده الذي هلك فيه، بعيدا أو قريبا، فمكث المنزل زمانا طويلا، نحوا من أربعين سنة، ثم يقدم ورثة الهالك، فيجدون المنزل في أيدي قوم قد ورثوه عن أبيهم، ولعل أباهم قد ورثه عن جده، فيدعيه ورثة الهالك الغائب عنه الذي كان أصله له معروفا، فيقول: هذا منزل أبينا، ورثناه عنه ونحن غيب، لم ندخل هذا البلد منذ هلك إلى اليوم، ويقول الذين في أيديهم المنزل: لم ندر من أنتم، ولا ما تقولون، غير أن هذا المنزل ورثناه عن أبينا، فهو في أيدينا منذ زمن طويل، ولعل أبانا إن كان أصل المنزل لكم كما تقولون، قد اشترى منكم بمكانكم الذي كنتم فيه، ولا علم لنا بشيء من أمره، إلا أنا ورثناه. قال: الأمر فيه إن شاء الله، أن يسأل الذي زعم أن أصله له معروف، إلى أن هلك فيه أبوه وهو غائب، بغير ذلك البلد، البينة على ذلك، فإن جاء بها أو أقر بذلك الذين في المنزل، وكانت غيبتهم عنه ببلد بعيد، مثل أن يكون المنزل بالأندلس، أو ما أشبهها، والذين ادعوها بمصر، أو بالمدينة، أو نحو ذلك من البعد، فيسأل الذين هم فيه، من أين صار لهم بعد وفاة الذي ورثه هو لا الغائب عنه؟
فإن أحقوا حقا باشتراء أو غيره، مما يستحق به المدعي ما ادعى، كان ذلك لهم، فإن لم يثبت لهم اشتراء ولا هبة، ولا وجه يستحقونه به، إلا ما ادعوا من تقادم ذلك في أيديهم، وتوارث ذلك بعضهم عن بعض، فإني لا أرى لهم حقا، والحق فيه لصاحب أصله إذا قامت له بالأصل بينة أو أقر له بذلك خصماؤهم؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يهلك حق امرئ مسلم، وإن قدم» مع ما رأيت لأهل أصل المنزل من العذر لغيبتهم في بعد بلدهم عن ذلك المنزل، وأما إن كانت غيبتهم قريبة، بحيث يعلمون أن منزلهم قد صار إلى غيرهم، وأنه يتوارث وينشأ فيه العمل، وينسب إلى غيرهم، فلا يقومون بتغيير ذلك، ولا ينكرونه، حتى يطول الزمان كما ذكر، فلا أرى له فيه حقا، وهو لمن كان بيده، ورث ذلك عن أبيه وجده، أو لم يرث بعد أن تطول عمارته له وحيازته إياه بمثل ما ذكرت من الزمان وشبهه، فإن علم الغيب في بعدهم، ما صار إليه منزلهم من حيازة قوم له، فتركوا الخروج إلى قبضه، وتركوا الاستخلاف على ذلك، بعد عملهم بما صار إليه، من حيازة من حازه، وهم قادرون على الخروج إلى حقهم لقبضه، والاستخلاف على ذلك حتى يطول الزمان، فأراهم فيما ضيعوا من حقهم، بمنزلة الحضور، لا حق لهم فيه إذا طال زمان حيازة القوم بعمارته، وإن كان لهم في ترك ذلك عذر يتبين للسلطان بأن يضعفوا عن الخروج، ويطلبون من يستخلفون، فيعجزهم ذلك، ولا يقدرون عليه، فأراهم على حقهم، وإن قدم زمانه وتطاول أمره، لبعد بلدهم، وما ظهر للسلطان من عجزهم.
محمد بن أحمد: لم يعذر المحوز عليه في هذه الرواية بقرب الغيبة، وقد تقدم مثل هذا وخلافه في رسم الجواب من سماع عيسى، ومضى من القول على ذلك هنالك، ما فيه كفاية، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يرثون المنزل عن أبيهم فيكون في يد بعضهم على غير قسم:

قال: وسألت ابن وهب عن الإخوة يرثون المنزل عن أبيهم، والمنزل إنما هو أرض بيضا تحرث، فيكون في يد بعضهم نصف المنزل وثلثه، أو ربعه على غير قسم، يحرث كل رجل منهم في ذلك المنزل بقدر قوته، فيكونون على هذا الحال، حتى يموت أحدهم، وفي يده أكثر القرية، فإذا أراد من بقي من الإخوة أن يقسموا المنزل على سهامهم، منعهم ولد أخيهم الميت مما في أيديهم، وقالوا: هذا ما كان في يد أبينا، وقد صار موروثا لنا دونكم، وقد كان أبونا يحوزه دونكم وأنتم حضور، ويقول أعمامهم: إنما كنا تركناه على وجه المرفق، ولم نكن قسمنا شيئا، فكان كل واحد يرتفق فيه بقدر حاجته.
قلت: أيستحق ولدا لهالك من الإخوة ما هلك عنه أبوهم على هذا الوجه، حتى لا يكون فيه للأعمام حق؟ قال: أرى إذا لم يكن لبني الأخ فيه دعوى غير حيازة أبيهم له، ووراثته ذلك عنه، وهم مقرون بالأصل لجدهم، أو تقوم به البينة عليهم، أن يقسم على الأعمام، ولا يكون لبني الأخ الهالك إلا نصيب أبيهم على كتاب الله، بعد أن يحلفوا الأعمام بالله ما باعوا من أخيهم الميت، ولا وهبوا له، ولا صار له فيه، إلى أن هلك عنه، إلا سهمه الذي ورث معهم عن أبيهم، ثم يقسمونه على فرائض الله.
قال: وسألت عن ذلك ابن القاسم، فقال لي مثل ما قال ابن وهب، غير أنه قال: إلا أن يكون الأخ الهالك وهب شيئا من تلك الأرض أو تصدق بها، أو نحلها أو أصدقها، أو باعها أو صنع أشباه هذا مما لا يقضي به الرجل إلا في خاصة ماله، فيكون أحق لما أحدث فيه بعض هذه الوجوه، إذا صنع ذلك بحضرة إخوته وعلمهم، فلم ينكروه عليه، قال:
قلت له: أرأيت ما كان يكرى من تلك الأرض باسمه، ويغل كراءها لنفسه دونهم، أيستحق ذلك بذلك الكراء أم لا؟ فقال لي مرة: نعم، هو له دونهم؛ إذا كان يكريه باسمه، فلا ينكرون ذلك عليه، ثم سألته يوم سألت ابن وهب، فأمسك عنه، ومرضه، وكأنه لم يره حوزا يستحق به دونهم شيئا.
قال الإمام القاضي: قوله في هذه المسألة: قال: أرى إذا لم يكن لبني الأخ فيه دعوى غير حيازة أبيهم له، ووراثة ذلك عنهم، وهم مقرون بالأصل لجدهم، أو تقوم به البينة عليهم، أن يقسم على الأعمام، ولا يكون لبني الأخ الهالك إلا نصيب أبيهم على كتاب الله، دليل على أنه لو كان لهم فيه دعوى، بأن يقولوا قد ابتاعه أبونا منكم، أو قد صار إليه من قبلكم بوجه كذا وكذا، لاستحقوه بحيازتهم، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن الأوراث لا حيازة بينهم بالسكنى والاعتمار والازدراع، مثل ما تأوله بعض الناس على ظاهر ما في المدونة حسبما ذكرناه في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم.
وقوله بعد أن يحلف الأعمام، هو على الاختلاف المعلوم في لحوق يمين التهمة؛ إذ قد نص أنهم لم يدعوا عليهم بحقيق دعوى في بيع ولا غيره. وقول ابن القاسم: إلا أن يكون الأخ الهالك وهب شيئا من تلك الأرض، أو تصدق بها أو نحلها، أو أصدقها أو باعها، أو صنع أشباه هذا، مما لا يقضي به الرجل إلا في خاصة ماله، فيكون أحق لما أحدث فيه بعض هذه الوجوه، معناه: إذا فعل ذلك في الأكثر.
وقد مضى تفصيل القول في ذلك وتفصيله في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. واختلاف قوله في الاستغلال، كاختلاف قوله في الهدم والبنيان، مرة رأى الحيازة بذلك عاملة بين الأوراث، ومرة لم ير ذلك، والله الموفق.

.مسألة يساكنه أختانه ومواليه زمانا طويلا حتى مات فأراد أن يستحقوا ذلك:

وسألت ابن وهب عن الرجل يساكنه في داره المعروفة له، أو القرية، أختانه ومواليه، عتاقه زمانا طويلا، أو يسكنهم دورا أو قرى فيعايشونه زمانا، وذلك في أيديهم حتى مات، فأراد أن يستحقوا ذلك بتقادمه في أيديهم، وقالوا: ليس علينا أن نسأل عما في أيدينا من أين هو لنا؟ قلت: وكيف إن ماتوا؟ فقال ورثتهم: لا علم لنا كيف كان هذا الحق في أيدي آبائنا؟ أو مات صاحب الحق والذين أسكنوا، فتداعى فيه ورثته، وورثة الذين أسكنوا، فقال ابن وهب: كل ما سألت عنه من هذا الوجه عندنا، بمنزلة واحدة، الحق فيه لصاحب المسكن، ولورثته، مات هو أو مات الذين أسكنوا أو مات هو وهم، فلم يبق منهم إلا ورثتهم، إلا أن يأتوا ورثة الذين أسكنوا بأمر يستحقون به ما كان بأيدي آبائهم من عطية أو صدقة أو اشتراء، أو وجه من وجوه الحق، ينظر لهم فيه، فإما تقادم ذلك في أيديهم أو أيدي آبائهم قبلهم، والأصل معروف للمسكن، فإنهم لا يستحقون بذلك شيئا. وسألت عن ذلك ابن القاسم، فقال لي مثل قول ابن وهب، غير أنه قال: إنما يكون ذلك على هذا الوجه؛ إذا كان أهل ذلك الموضع، يعرف منهم التوسع للموالي والأختان، ومن يساكنهم، فأما أهل بلد لا يعرف فيهم أن يحوز أحد منهم مال أحد إلا باشتراء أو عطية أو أشباه ذلك، فإني أقول: إن الحائز لما سألت عنه أولى بما حاز؛ إذا كانت حيازته العشر سنين أو ما قاربها إلا ما حيز على غائب، فإنه أولى بحقه، لا يقطعه تقادم ذلك في يد من حازه في مغيب صاحب أصله، ألا يأتي الحائز ببينة على أصل اشتراء أو سماع فاش، أو شيء يذكر به اشتراء ذكرا ظاهرا، فيكون أحق بما حاز مع تقادم ذلك في يديه.
قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن وهب، وابن القاسم، في الأختان والموالي: إنهم في الحيازة بمنزلة القرابة، مثل ما تقدم من قول ابن القاسم في أول رسم من هذا السماع، خلاف قوله في رسم شهد من سماع عيسى؛ أنهم بمنزلة الأجنبيين، وقول ابن القاسم: إنما يكون ذلك على هذا الوجه؛ إذا كان أهل ذلك الموضع يعرف منهم التوسع، إلى آخر قوله، تفسير ما أجمل من قوله: لا اختلاف عندي أنهم بمنزلة القرابة؛ إذا عرف منهم التوسع من بعضهم لبعض، وأنهم بمنزلة الأجنبيين؛ إذا عرف منهم التشاح بينهم، وإنما الاختلاف المذكور؛ إذا أجهل حالهم على ما يحمل أمرهم، فمرة حملهم محمل القرابة، ومرة حملهم محمل الأجنبيين، وبالله التوفيق.

.مسألة الأجنبيين إذا حازوا من مال غائب أو حاضر أجنبي:

قال ابن القاسم: ولم يكن مالك يرى الأجنبيين فيما حازوا من مال غائب، أو حاضر أجنبي، بمنزلة الأقارب، كان مالك يقول: ليس بينهم حوز وإن قدم. قال يحيى: معناه عندي فيما ذكر من الأقارب، إنما يريد أهل الميراث فيما حازوا بعضهم عن بعض فيما ورثوا.
محمد بن أحمد قوله: ولم يكن مالك يرى الأجنبيين فيما حازوا من مال حاضر أو غائب، بمنزلة الأقارب، يريد: من مال غائب قريب الغيبة، أو حاضر؛ لأن الغائب القريب الغيبة، هو الذي يحوز عليه الأجنبي، كما يحوز على الحاضر على اختلاف قدمنا القول فيه في رسم الجواب، من سماع عيسى. فقول مالك هذا مثل أحد قولي ابن القاسم، في أن القريب الغيبة، بمنزلة الحاضر، يحوز عليه الأجنبي، وأما البعيد الغيبة، فلا اختلاف في أنه لا يحوز عليه في مغيبه القريب ولا البعيد. وقوله: كان مالك يقول: ليس بينهم حوز، وإن قدم، يريد: وإن هدموا وبنوا وهو مثل القول الذي رجع إليه فيما تقدم في رسم الكبش، وهو قوله فيه، ثم رجع ابن القاسم فيما يحوزه الوارث على أشراكه بالهدم والبنيان والغرس، فلم ير ذلك يقطع حق الوارث من ميراثه.
وقوله وقول يحيى معناه: فيما ذكر من الأقارب إنما يريد أهل الميراث فيما حازوا بعضهم عن بعض فيما ورثوا، هو نص قول ابن القاسم في رسم الكبش المتقدم: إن ذلك بين الورثة بخاصة، وفي قوله: بين الورثة بخاصة؛ دليل هو كالنص، في أن القرابة إذا لم يكونوا أوراثا مشتركين في الحيازة بعضهم على بعض، بخلاف الأوراث المشتركين، فيحوز بعضهم على بعض بالعشرة الأعوام، مع الهدم والبنيان.
وقد اختلف قوله في ذلك، فنص في المسألة التي بعدها على أن القرابة غير الأشراك، والموالي والأختان، بمنزلة القرابة الأشراك أهل الميراث، لا حيازة بينهم بطول العمارة، وإن هدموا وبنوا إلا أن يطول ذلك جدا، يريد فوق الأربعين سنة، كما قال في الأوراث، وقد قال بعض أهل النظر: إن قول يحيى في هذه الرواية، معناه إلى آخر قوله، وقول ابن القاسم في رسم الكبش بين الورثة بخاصة، إنما يدل على أن الأوراث في حيازة بعضهم على بعض ما ورثوه، بخلاف الأشراك الأجنبيين في ذلك.
وقد مضى تمام القول في هذا المعنى في رسم الكبش المذكور، فلا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة يموت ويترك بنيه وأباه فيقر الجد بني ابنه بمالهم لا يقبض منهم شيئا:

قال: وسألت ابن وهب عن الرجل يموت ويترك بنيه وأباه فيقر الجد بني ابنه بمالهم، لا يقبض منهم شيئا من ميراثه، حتى يموت، فيطلب ذلك بنوه الذين ورثوه، وهم إخوة الميت الأول، أعمام الذين الحق في أيديهم، أيكون سكوت الجد عن طلب سهمه، حتى مات إبطالا له أم لا؟ فقال: حدثني من أرضى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال: «لا يهلك حق امرئ مسلم وإن قدم» فأرى سهم الجد لورثته على كتاب الله، إلا أن يأتي بنو ابنه بالبينة أنهم بروا إليه من ذلك، أو تصدق به عليهم، أو باعه منهم، فأما أن يستحقوا ذلك بتقادمه في أيديهم وسكوت الجد عنه، فلا أرى ذلك. قال يحيى: وقال ابن القاسم مثل قول ابن وهب.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم وتكرر، ومضى القول فيه من أنه لا حيازة بين الأوراث، وإن طالت المدة، إلا أن يهدموا ويبنوا ويغرسوا على اختلاف في ذلك، فإن كان البنون لم يحدثوا فيما بأيديهم هدما ولا بنيانا ولا غراسا، فلورثة الجد سهمه باتفاق، وإن كانوا أحدثوا ذلك فيما في أيدلهم، كان لورثة الجد سهمه على مواريثهم، على قول ابن القاسم الذي رجع إليه، على ما مضى له في رسم الكبش، إلا أن تطول المدة مع ذلك بالدهور، إلى ما فوق الأربعين عاما، وقوله في الرواية: إلا أن يأتي بنو ابنه بالبينة أنهم بروا إليه من ذلك، أو تصدق به عليهم غلط، وصواب الكلام، إلا أن يأتي بنوه بالبينة أنه بري إليهم من ذلك، وبالله التوفيق، اللهم لطفك.

.مسألة تداعيا في أرض فبذرها أحدهما فولا والآخر قمحا على فول صاحبه:

ومن كتاب أول عبد ابتاعه فهو حر:
قال: وسألته عن الرجلين تداعيا في أرض، فبذرها أحدهما، فولا، ثم أعقب الآخر فبذرها قمحا على قول صاحبه، وقلب ما نبت منه، فاستهلك بذلك الفول، ثم اختصما، فاستحقها الذي كان بذرها فولا، فقال: إن كان استحقها في أول عمل، كان كراؤها له على الذي بذر القمح، ويكون زرعها للذي بذره، ويغرم صاحب الحق لرب الأرض الذي استحقها مع كرائها، قيمة الفول الذي استهلك، وذلك أنه كان زرعها على ما كان يدعي من حقه في الأرض، ولم يكن غاصبا لها. قال: وإن استحق الأرض ربها، وقد فات أوان العمل، فلا كراء لمستحقها، على الذي بذر قمحا، والقمح للذي بذره، وعليه غرم قيمة الفول الذي استهلك على كل حال.
قلت: ما الذي أوجب عليه كراء الأرض إن استحقت في أوان العمل، ووضع ذلك عنه إن استحقت، وقد فات أوان عملها فقال: لأنها حين استحقها في أوان العمل، كان أحق بأرضه والانتفاع بها، فلما وجدنا فيها بذر رجل بشبهة، لم يجز لنا أن نأمر مستحقها بفساد ذلك البذر، وأمضيناه للذي بذره بالشبهة، وأغرمنا لرب الأرض، كراء الأرض لما منع من الانتفاع بها، وقد استحقها في أوان عملها، ولو كان غاصبا أمر مستحقها بطرح ما فيها، ولم يحل بينه وبين الانتفاع بأرضه، إلا أن يشاء أن يقر البذر لصاحبه، ويأخذ كراء أرضه؛ فذلك له.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال: إن الرجلين إذا تداعيا في أرض، وهي بأيديهما جميعا، وليست في يد واحد منهما، فزرعاها جميعا، أحدهما بعد الآخر، فأفسد الآخر زرع الأول؛ إن للأول على الثاني قيمة زرعه الذي أفسده؛ لأنه زرعه بوجه شبهة على ما يدعي من حقه، وليس له أن يقنع زرع الباقي، وإن استحق الأرض في الإبان؛ لأنه زرعه أيضا بوجه شبهة على ما يدعي من حقه.
وقوله: إن الثاني يغرم للأول قيمة الفول الذي أفسد عليه على كل حال، استحق هو الأرض، أو استحقها الذي أفسد الفول، يريد قيمة الفول على الرجاء والخوف، كأن أفسدها بعد أن نبتت، ولو كان حرث الأرض وزرعها قبل أن ينبت الفول؛ لكان عليه مكيلة الفول إن علمت، أو قيمة ما يزرع في مثلها من الفول إن جهلت، ولا يدفع إليه فولا، مخافة أن يكون أقل أو أكثر، فيدخله التفاضل فيما لا يجوز التفاضل فيه.
هذا إذا اتفقا على الجهل بالمكيلة، وأما إن تداعيا في ذلك، وادعى كل واحد منها المعرفة، فالقول قول الغارم مع يمينه، إلا أن لا يشبه قوله، فيكون القول قول صاحبه، إن أشبه قوله أيضا، وإن لم يشبه قول واحد منهما حلفا جميعا، وكان عليه قيمة ما يزرع في مثل الأرض من الفول، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، وإن لم يشبه؛ لأن صاحبه قد أمكنه من دعواه بنكوله، وإن ادعى أحدهما المعرفة وذلك يشبه، كان القول قوله.
وقوله: إنه ليس للذي استحق الأرض أن يقلع زرع الثاني، وإن كان الإبان لم يفت، صحيح، لا اختلاف فيه؛ لأنه زرع بوجه شبهة على ما يدعي من حقه في الأرض، ولو لم تكن له شبهة في دعواه؛ لكان حكمه حكم الغاصب، مثل أن يأتي إلى الأرض رجل بيده، فيزرعها في مغيبه، ويدعي أنها له بوجه يذكره، ولا يأتي على ذلك بينة ولا سبب.
وقوله في الرواية: ولو كان غائبا أمر مستحقها بطرح ما فيها، ولم يحل بينه وبين الانتفاع بأرضه، صحيح، وهذا إذا كانت له قيمة منفعة إن قلعه، ولو لم تكن له فيه منفعة إن قلعه، لما كان له أن يقلعه، ويكون لرب الأرض، ولو أراد إذا كانت له فيه منعة، أن يتركه لرب الأرض لم يكن ذلك له، إلا أن يرضيه؛ إذ لا يلزمه قبول معروفه، ولو أراد رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا؛ لكان ذلك له؛ لأنه في أرضه، ويدخل بالعقد في ضمانه، وهو ظاهر ما في كتاب كراء الأرضين من المدونة، وقيل: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه. وهو دليل ما في سماع سحنون، من كتاب المزارعة.
وإذا قلعه وقد مضى من الإبان بعضه، كان عليه قيمة ما مضى من الإبان، وهو ما بين قيمة كراء الأرض في أول الإبان، وفي الوقت الذي قلع فيه زرعه، وقد قيل: إن من حق المستحق أن يقلع الغاصب زرعه، وإن خرج الإبان ما لم يسنبل الزرع، وقد مضى ذلك ووجه القول فيه في نوازل أصبغ، من كتاب كراء الأرضين، وقوله: إلا أن يشاء، أن يقر البذر لصاحبه، ويأخذ كراء أرضه، فذلك له، معناه: إذا رضي بذلك الغاصب، ولو لم يكن للغاصب فيه منفعة؛ إذا قلعه لما للمستحق أن يترك الأرض بالكراء، وإن رضيا؛ لأنه بيع للزرع بالكراء؛ إذ قد وجب للمستحق. قال ذلك محمد، وبالله التوفيق.

.مسألة يسكن القرية فيعمر أرضا يخترقها ويدللها ويزرعها زمانا:

قال: وسألته عن الذي يسكن القرية، وليس له فيها إلا مسكنه أو شيء اشتراه بعينه، ليس من أهل الميراث، ولا ممن اشترى من أهل الميراث سهما، فيعمر من عامرها أرضا يخترقها ويدللها ويزرعها زمانا، وأهل القرية حضور، لا يغيرون عليه، ولا يمنعونه من عمله، ثم يريدون إخراجه، قال: ذلك لهم، إلا أن تقوم له من عمله، ثم يريدون إخراجه، قال: ذلك لهم، إلا أن تقوم له بينة على اشتراء أو هبة أو حق، يترك له به ما عمر، إلا أن يطول زمانه أو أرضه، أم تراه بحال الوارث، أو المولى مع مواليه؟ قال: ينظر فيه السلطان، على قدر ما يعذر به أصحاب الأصل في سكوتهم، لما يعلم من افتراق سهامهم، وقلة حق أحدهم لو تكلم فيه، فإنه يقول: منعني من الكلام سكوت أشراكي، وقلة حقي، فلما خفت تطاول الزمان، وما يحدث من دعوى العامر، تكلمت فيه، فأراه أعذر من الذي يستحق عليه من خاصة داره، أو خاصة أرضه شيئا، ولا أبلغ به حد الورثة فيما بينهم، ولا حد المولي الذي يرتفق في أرض مواليه، أو الصهر في أرض أصهاره، إلا أن يكون ذلك العامر للرجل أو الرجلين، أو النفر القليل، فلا يعذرون بسكوتهم، يحملون فيما عمر جارهم من غامر من أرضهم، على ما يحمل عليه من حين عمله عليه من داره أو أرضه شيء قال: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك، أعذر في السكوت، وأوجب حقا، وإن طال الزمان جدا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة حسنة، قد بين ابن القاسم فيها وجه قوله في تفرقته بين الوجهين، وجعله الذي عمر من غامر القرية، وهو ممن لا سهم له فيها بين المنزلتين، بما لا مزيد عليه.
وقد مضى القول على كل واحد منهما بانفراده في رسم الكبش وغيره من هذا السماع، وفي رسم يسلف من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك. وقوله: وهم فيما يعمر بعضهم من غامرهم المشترك، أعذر في السكوت، يريد إن الورثة فيما حازه بعضهم على بعض من الغامر أعذر في السكوت على ما حازوا من العامر، وذلك بين؛ لأن التشاح من المعمور، أكثر من التشاح في البور، ورأيت لبعض أهل النظر، تنبيها على هذه المسألة، قال: انظر إن كان بنى في هذه الأرض التي أحياها أو غرس، ولم يكن له فيها حق إن كان يأخذ قيمة ذلك قائما عند خروجه عنها أو مهدوما منقوضا، والذي أقول به في ذلك على أصولهم، ومنهاج قولهم؛ أنه إن كان بنى في ذلك الغامر على أنه حق له يدعيه بوجه من الوجوه، التي يصح بها الملك، واحتج عليهم في ادعائه ذلك ملكا لنفسه بسكوتهم عنه، فله قيمة بنيانه قائما لشبهة الملك الذي يدعيه، وقد مضى بيان هذا في المسألة التي قبل هذه، وأما إن كان لم يدع ذلك ملكا، وإنما أراد أن يستحقه عليهم بسكوتهم عنه، وحيازته ذلك عليهم، فيتخرج ذلك على الاختلاف في السكوت، هل هو كالإذن أم لا؟ فعلى القول بأنه كالإذن إن قاموا عليه بحدثان ما بنى كان له قيمة بنيانه قائما، وإن لم يقوموا عليه حتى مضى من المدة ما يرى أنه بنى لينتفع بنيانه إلى مثله، كان له قيمة بنيانه منقوضا، وعلى القول بأنه ليس كالإذن يكون له قيمة بنيانه منقوضا على كل حال، وهذا على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، وأما على رواية المدنيين عن ملك، فيكون له قيمة بنيانه قائما على كل حال.
وقد مضى بيان ذلك في آخر مسألة من رسم الكبش، وبالله التوفيق.

.مسألة يهلك ويترك ولدا فيطأ الجواري ويبيع العبيد:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم قال سحنون: وقال ابن القاسم في الرجل يهلك ويترك ولدا صغارا وكبارا، فيكون في أيدي بعض الورثة بعض القرى المساكن، والعبيد والحيوان، فيطأ هذا الوارث بعض الجواري، ويبيع بعض العبيد، ويبني ويغرس في القرى، ويكري المساكن أو بعضها وإخوته حضور، لا يغيرون ولا ينكرون، ثم قاموا وقالوا: ميراثنا من أبينا، فيقول هذا الوارث: قد كان أبي تصدق علي بهذا كله، وكانت بينتي حاضرة، فلما ماتت أو ذهبت، وذلك بعد أعوام، وقد كنت أبيع وأطأ وأفعل ما يفعله الرجل في حقه، وأنتم حضور، تريدون أن تقوموا علي، فقال: لا أرى لهم حقا ولا حجة؛ إذا كان يفعل هذه الأشياء وهم حضور. قلت: قلت لابن القاسم: أرأيت ما لم يبع من العبيد، ولم يطأ من الجواري، ولم يفوت من الرباع بالبناء والغرس، لم لا يكون بينهم؟ قال: هو بينهم. قال: وأما ما باع وقد فات بوطء، فليس لهم فيه شيء وأما ما بنى وغرس، وهم حضور أو استغل، فإن ذلك لا يقطع حقوقهم؛ لأن حوز القرية فيما بينهم ليس مثل الأجنبيين، وفي العدا شك.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه المسألة في السؤال: ويبني ويغرس في القرى أو يكري المساكن، مع قوله في الجواب: لا أرى لهم حقا ولا حجة إذا كان يفعل هذه الأشياء وهم حضور، هو خلاف قوله في آخر المسألة: وأما ما بنى وغرس وهم حضور، أو استغل؛ فإن ذلك لا يقطع حقوقهم؛ لأن حوز القرابة فيما بينهم ليس مثل الأجنبيين، وقوله وفي العدا شك يريد، وفي البعد الذين ليسوا من القرابة، ولهم اختصاص بالحوز عليه كالموالي والأختان ففيهم شك، هل هم كالقرابة أو كالأجنبيين؟ ولهذا الشك اختلف قوله فيهم، فجعلهم في رسم شهد، من سماع عيسى كالأجنبيين، وجعلهم في رسم الكبش من سماع يحيى كالقرابة.
وقد مضى اختلاف قول ابن القاسم في البناء والغرس، يريد البناء الذي لا يشبه الإصلاح في رسم الكبش، من سماع يحيى، ومضى اختلاف قوله في الاستغلال في رسم الأقضية منه، وأما قوله فيما لم يفوت من ذلك بما ذكره من وجوه الفوت؛ أنه بينهم، وفيما فوت من ذلك أنه يستحقه بتفويته، فكان الشيوخ يحملونه على ظاهره في القليل والكثير، خلافا لما في قرب آخر رسم الكبش منه.
وقد مضى تحصيل القول في هذا المعنى في رسم يسلف، من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك ثلاثة من الولد وثلاثة أرؤس فمات واحد واستحق آخر:

قال ابن القاسم في رجل هلك وترك ثلاثة من الولد، وترك ثلاثة أرؤس، فاقتسموا، فأخذ كل واحد منهم رأسا، فمات منهم في يد الورثة واحد، واستحق آخر، وبقي آخر. قال: ليس على الذي مات العبد في يديه غرم شيء، وليس له أن يرجع على الذي بقي العبد في يديه بشيء، ويرجع هذا الذي استحق العبد من يده على أخيه الذي بقي العبد في يديه، فيأخذ منه ثلثه، ويبقى ثلثاه، فإن أخذ لهذا المستحق ثمن، كان ثلثا الثمن للذي استحق العبد من يديه، وثلثه للذي بقي العبد عنده، فإن لم يؤخذ له ثمن لم يكن للذي استحق العبد في يديه إلا ثلث العبد الباقي.
قال الإمام القاضي: المعنى في هذه المسألة أن العبيد الثلاثة، تساوت قيمتهم، فأقسموهم بالقرعة؛ لأن القسمة بالقرعة هي التي يختلف فيها، هل هي تمييز حق أو بيع من البيوع؟ ويتخرج فيها على القول بأنها تمييز حق ثلاثة أقوال؛ أحدها قول ابن القاسم هذا، وهو قول مالك في سماع أشهب، من كتاب القسمة؛ أن كل واحد منهم يضمن حقه الذي تميز له بالقسمة، فتكون مصيبته منه إن مات في يديه، فاستحق نصيب أحدهم، لم يكن للمستحق منه أن يرجع عليه بشيء، ولا كان له هو أن يرجع على من بقي حظه في يديه بشيء؛ لأن القسمة قد مضت فيما بينه وبينهما جميعا، لتلاف جميع حظه الذي تميز له بالقسمة في يديه بغير سببه، وتنتقص القسمة فيما بين الذي استحق نصيبه من يديه، وبين الذي بقي العبد في يديه، فيرجع عليه بثلثه؛ لأنه باع منه ثلثه بثلث العبد الذي استحق من يديه، فإن أخذ لهذا العبد المستحق ثمن، كان ثلثاه للمستحق منه، وثلثه للذي رجع عليه بثلث العبد، فيكون للمستحق منه العبد، ثلث العبد، الباقي، وثلثا الثمن، فاستويا لانتقاص القسمة فيما بينهما.
وهذا إذا كان الثمن مثل قيمة العبد فأقل، وأما إن كان أكثر من قيمة العبد، فالزائد على قيمته بينهم أثلاثا. قال ذلك ابن عبدوس، وهو صحيح؛ لأن الزائد على قيمته لم يدخل في القسمة، وقد اختلف على هذا القول؛ إذا لم يمت العبد، وإنما فوته الذي هو بيده بالهبة أو الصدقة أو العتق أو البيع، فقيل: إنه يضمنه بالتفويت للمستحق منه، فيكون له أن يرجع عليه بالقيمة يوم القسمة، وهو قول أشهب، وقيل: إنه لا يضمنه بشيء من ذلك، وإنما للمستحق منه في أن يرجع في عينه إن وجده عند الموهوب له، أو المتصدق عليه، وكذلك يرجع في عينه إن كان قد أعتق، ويقوم على المعتق إن كان موسرا، ويكون في البيع مخيرا بين أن يرجع في عين العبد عند المشتري، فيرجع المشتري بما ينوب ذلك من الثمن على البائع، وهو قول سحنون.
والقول الثاني: إن القسمة تنتقص فيما بين المستحق منه، وبين الذي بقي العبد في يديه، وفيما بين المستحق منه، وبين الذي مات العبد في يديه، ولا تنتقص فيما بين الذي مات العبد في يديه، وبين الذي بقي العبد في يديه، فيكون على هذا القول ضمان ثلث العبد الذي مات من المستحق منه، وضمان ثلثيه من الذي مات في يديه؛ لأنه مات وثلثه للمستحق منه العبد، فمنه ضمانه، وثلثاه من الذي مات العبد في يديه، ثلث هو له، فكانت مصيبته منه، وثلث عاوض به الذي بقي العبد في يديه، فكانت مصيبته منه أيضا؛ لأن القسمة فيما بينه وبين لم تنتقص، فإن قبض للعبد المستحق ثمن على هذا القول، كان بين جميعهم أثلاثا، ويكون للمستحق العبد من يديه ثلث العبد الباقي، فيصح له ثلث العبد، وثلث الثمن. وللذي بقي العبد في يديه، ثلثا العبد وثلث الثمن، وللذي مات العبد فيه ثلث الثمن. حكى هذا القول ابن عبدوس، ولم يسم قائله.
والقول الثالث: إن القسمة تنتقص بين جميعهم، فتكون مصيبة العبد الذي مات منهم كلهم، ويكون العبد الباقي بينهم، وإن قبض في العبد المستحق ثمن كان بين جميعهم أيضا. وهذا هو مذهب ابن الماجشون، أو أبيه عبد العزيز، على ما وقع من اختلاف الرواية في ذلك، في سماع يحيى من كتاب القسمة، وكذلك على هذا القول إن استحق من نصيب أحدهم يسيرا أو كثيرا، وجد بحظه عيبا تنتقص القسمة بين جميعهم.
وأما على القول بأن القسمة بيع من البيوع، فلا اختلاف في أن الذي استحق العبد من يديه، يرجع على العبد، بقي العبد في يديه بثلثه، وعلى الذي مات العبد في يديه، بثلث قيمته يوم صار إليه بالقسمة، فإن قبض للمستحق ثمن كان بين جميعهم أثلاثا، وإنما يختلف على هذا القول؛ إذا استحق اليسير من نصيب أحدهم أو الكثير، فقيل: إذا استحق الكثير؛ أن القسمة تنتقض، ويرد المستحق منه ما بقي في يديه، ويرجع على أشراكه فيما في أيديهم، إن كان قائما، أو في قيمته إن كان فائتا.
وقيل: إنها لا تنتقض، فلا يكون له أن يرد الباقي في يديه، وإنما له أن يرجع على أشراكه فيما في أيديهم، فيشاركهم فيه، إن كان قائما بقدر ما استحق من يديه، وإن كان قد فات ما بأيديهم، رجع عليهم بقيمة ذلك، دنانير أو دراهم.
وأما إذا استحق اليسير، فلا تنتقض القسمة، ويرجع على أشراكه فيما في أيديهم، فيشاركهم فيه بقدر ما استحق من نصيبه، إن كان ما بأيديهم لم يفت بوجه من وجوه الفوت، فإن كان قد فات رجع عليهم بقدر ذلك دنانير أو دراهم، وقيل: ليس له أن يرجع عليهم فيما في أيديهم، فيشاركهم فيه، وإن كان قائما، وإنما له الرجوع عليهم بقيمة ذلك دنانير أو دراهم، وهذا الاختلاف كله في هذا الوجه في المدونة.
وكذلك اختلفا أيضا في القسمة على التراضي بعد التعديل والتقويم، بغير قرعة، هل هي تمييز حق أو بيع من البيوع؟ وأما القسمة على التراضي دون تقويم ولا تعديل، ولا قرعة، فلا اختلاف في أنها بيع من البيوع، فلها حكمه في العيوب والاستحقاق، على ما قد ذكرناه في القسمة بالقرعة على القول بأنها بيع من البيوع، والأظهر في قسمة القرعة أن تكون تمييز حق، وفي قسمة التراضي بعد التعديل والتقويم أن تكون بيعا من البيوع، وبالله التوفيق.